فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.
قوله تعالى: {كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}: عَدَّاه بالتضعيفِ، وهو مِنْ كَرُم بالضمِّ كشَرُف، وليس المرادُ من الكرمِ في المال.
قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ}:
فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوبٌ على الظرف، والعاملُ {فَضَّلْناهم}، أي: فَضَّلْناهم بالثوابِ يوم نَدْعُو. قال ابن عطية في تقريره: وذلك أنَّ فَضْلَ البشرِ على سائرِ الحيوان يوم القيامةِ بيِّنٌ؛ إذ هم المُكَلَّفون المُنَعَّمون المحاسَبون الذين لهم القَدْرُ. إلا أنَّ هذا يَرُدُّه أن الكفار [يومئذٍ] أَخْسَرُ مِنْ كلِّ حيوان، لقولِهم: {ياليتني كُنتُ تُرَابًا} [النبأ: 40].
الثاني: أنه منصوبٌ على الظرف، والعاملُ فيه اذكر، قاله الحوفيُّ وابنُ عطية. قلت: وهذا سهوٌ؛ كيف يعمل فيه ظرفًا؟ بل هو مفعولٌ.
الثالث: أنه مرفوعُ المحلِّ على الابتداء، وإنما بُنِيَ لإِضافتِهِ إلى الجملةِ الفعلية، والخبرُ الجملةُ بعده. قال ابنُ عطية في تقريره: ويَصِحُّ أَنْ يكونَ {يوم} منصوبًا على البناء لَمَّا أُضيف إلى غيرِ متمكِّن، ويكون موضعُه رفعًا بالابتداء، وخبرُه في التقسيم الذي أتى بعدَه في قوله: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ} إلى قوله: {وَمَن كَانَ}. قال الشيخ: قوله منصوبٌ على البناء كان ينبغي أن يقول: مبنيًَّا على الفتح، وقوله: لَمَّا أُضيف إلى غيرِ متمكن ليس بجيدٍ؛ لأنَّ المتمكِّنَ وغيرَ المتمكِّنِ إنما يكون في الأسماءِ لا في الأفعالِ، وهذا أُضيفَ إلى فعلٍ مضارع، ومذهبُ البصريين فيه أنه معربٌ، والكوفيون يُجيزون بناءَه. وقوله: والخبر في التقسيم إلى آخره، التقسيم عارٍ من رابطٍ يربط جملةَ التقسيم بالابتداء. قلت: الرابطُ محذوفٌ للعلمِ به، أي: فَمَنْ أُوتي كتابَه فيه.
الرابع: أنه منصوبٌ بقوله: {ثم لا تجدوا} قاله الزجَّاج. الخامس: أنه منصوبٌ ب {يُعيدكم} مضمرةً، أي: يُعيدكم يومَ نَدْعو. السادس: أنه منصوبٌ بما دَلَّ عليه {وَلاَ يُظْلَمُونَ} بعده، أي: ولا يُظْلَمون يوم ندعو، قاله ابن عطية وأبو البقاء. السابع: أنه منصوبٌ بما دَلَّ عليه {متى هُوَ} [الإسراء: 51]. الثامن: أنه منصوبٌ بما تقدَّمه مِنْ قولِه تعالى: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 52]. التاسع: أنه بدلٌ مِنْ {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} [الإسراء: 52]. وهذان القولان ضعيفان جدًا لكثرة الفواصل. العاشر: أنه مفعولٌ به بإضمار اذكر، وهذا وإن كان أسهلَ التقاديرِ أظهرُ ممَّا تقدم؛ إذ لا بُعْدَ فيه ولا إضمارَ كثيرٌ.
وقرأ العامَّة {نَدْعو} بنون العظمة، ومجاهد: {يَدْعُو} بياء الغيبة، أي: الله تعالى أو المَلَك. و{كلَّ} نصبٌ مفعولًا به على القراءتين.
وقرأ الحسن فيما نقله الدانيُّ عنه {يُدْعَى} مبنيًا للمفعول، {كلُّ} مرفوعٌ لقيامِه الفاعلِ، وفيما نقله عنه غيرُه {يُدْعَو} بضمِّ الياء وفتح العين، بعدها واوٌ. وخُرِّجَتْ على وجهين، أحدُهما: أن الأصلَ: يُدْعَوْن فَحُذِفت نونُ الرفعِ كما حُذِفَتْ في قولِه عليه السلام: «لا تَدْخُلوا الجنة حتى تُؤْمنوا، ولا تُؤْمنوا حتى تحابُّوا» وقوله:
أَبَيْتُ أَسْرِيْ وتَبِْيْتي تَدْلُكِيْ ** وَجْهَكِ بالعَنْبَرِ والمِسْكِ الذَّكي

و{كلٌّ} مرفوعٌ بالبدلِ من الواوِ التي هي ضميرٌ، أو بالفاعليةِ والواوُ علامةٌ على لغةِ «يتعاقبون فيكمْ ملائكةٌ».
والتخريجُ الثاني: أنَّ الأصلَ {يُدْعَى} كما نَقَله عنه الدانيُّ، إلا أنه قَلَبَ الألفَ واوًا وَقْفًا، وهي لغةٌ لقومٍ، يقولون: هذه أفْعَوْ وعَصَوْ، يريدون: أَفْعى وعَصا، ثم أجرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ. و{كلُّ} مرفوعٌ لقيامِه مقامَ الفاعلِ على هذا ليس إلا.
قوله: {بإمامِهم} يجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ متعلقةٌ بالدعاء، أي: باسمِ إمامهم، وأن تكونَ للحالِ فيتعلَّقَ بمحذوف، أي: نَدْعُوهم مصاحبين لكتابهم. والإِمام: مَنْ يُقْتَدَى به. وقال الزمخشري: ومن بِدَع التفاسير: أن الإِمامَ جمع أُمّ وأنَّ الناسَ يُدْعَوْنَ يومَ القيامة بأمهاتهم دونَ آبائهم، وأن الحكمةَ فيه رِعايةُ حقِّ عيسى، وإظهارِ شرفِ الحسن والحسين، وأن لا يُفْضَحَ أولادُ الزِّنى قال: وليت شعري أيهما أَبْدَعُ: أصحةُ لفظِه أم بَهاءُ معناه؟.
قلت: وهو معذورٌ لأن أُمّ لا يُجْمع على إمام، وهذا قولُ مَنْ لا يَعْرف الصناعةَ ولا لغةَ العربِ، وأمَّا ما ذكروه من المعنى فإنَّ الله تعالى نادى عيسى باسمِه مضافًا لأمِّه في عدةِ مواضعَ من قوله: {ياعيسى ابن مَرْيَمَ} [المائدة: 110]، وأَخْبرعنه كذلك نحو: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ} [الصف: 6]، وفي ذلك غَضاضةٌ من أميرِالمؤمنين عليّ رضي الله عنه وكرَّم وجهَه.
قوله: {فَمَنْ أُوتِيَ} يجوز أن تكونَ شرطيةً، وأن تكونَ موصولةً، والفاءُ لشَبَهه بالشرط. وحُمِل على اللفظِ أولًا في قوله: {أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} فَأُفْرِد، وعلى المعنى ثانيًا في قولِه: {فأولئك} فَجُمِع.
قوله تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هذه}:
يجوز في {مَنْ} ما جاز في {مَنْ} قبلها. وأمال الأخَوان وأبو بكر: {أعمى} في الموضعين من هذه السورة، وأبو عمروٍ أمال الأولَ دون الثاني، والباقون فتحوهما، فالإِمالةُ لكونِهما من ذوات الياء، والتفخيمُ لأنه الأصل. وأمَّا أبو عمروٍ فإنه أمال الأولَ لأنه ليس أفعلَ تفضيلٍ فألفُه متطرفةٌ لفظًا وتقديرًا، والأطرافُ محلُّ التغيير غالبًا، وأمَّا الثاني فإنه للتفضيلِ ولذلك عَطَف عليه {وأَضَلَّ} فألفُه في حكم المتوسطة؛ لأنَّ {مِنْ} الجارَّةَ للمفضول كالملفوظ بها، وهي شديدةُ الاتصالِ بأَفْعَلِ التفضيلِ فكأنَّ وقعت حَشْوًا فتحصَّنَتْ عن التغيير.
قلت: كذا قرَّره الفارسيُّ والزمخشري، وقد رُدَّ هذا بأنهم أمالوا {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ} [المجادلة: 7] مع التصريح بـ {مِنْ} فَلأَنْ يُميلوا {أَعْمى} مقدَّرًا معه {مِن} أَوْلَى وأَحْرَى.
وأمَّا {أَعْمى} في طه فأماله الأخَوان وأبو عمرو، ولم يُمِلْه أبو بكر، وإن كان يُمليه هنا، وكأنه جَمَعَ بين الأمرين وهو مقيَّدٌ باتِّباع الأثر. وقد فَرَّق بعضُهم: بأنَّ {أعمى} فيه طه مِنْ عَمَى البصرِ، وفي الإِسراء مِنْ عَمَى البصيرة؛ ولذلك فسَّروه هنا بالجَهْل فأُمِيلَ هنا، ولم يُمَلْ هناك للفرقِ بين المعنيين. قلت: والسؤال باقٍ؛ إذ لقائلٍ أن يقولَ: فَلِمَ خُصِّصَتْ هذه بالإِمالةِ، ولو عُكِسَ الأمرُ كان الفارقُ قائمًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.
المراد من قوله: {بَنِى ءَادَمَ} هنا المؤمنون لأنه قال في صفة الكفار: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِّن مُّكْرِمٍ} [الحج: 18] والتكريم التكثير من الإكرام، فإذا حَرَمَ الكافرَ الإكرامَ.. فمتى يكون له التكريم؟
ويقال إنما قال: {كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ} ولم يقل المؤمنين أو العابدين أو أصحاب الاجتهاد توضيحًا بأن التكريم لا يكون مقابلَ فِعْلِ، أو مُعَلَّلًا بِعِلةٍ، أو مُسَبّبًا باستحقاقٍ يوجب ذلك التكريم.
ومن التكريم أ، هم متى شاءوا وقفوا معه على بساط المناجاة.
ومن التكريم أنه على أي وصف كان من الطهارة وغيرها إذا أراد أن يخاطبه خَاطَبَه، وإذا أراد أن يسأل شيئًا سأله.
ومن التكريم أنه إذا تاب ثم نقض توبته ثم تاب يقبل توبته، فلو تكرر منه جُرْمُه ثم توبته يضاعف له قبولَه التوبة وعفوَه.
ومن التكريم أنه إذا شَرَعَ في التوبة أَخَذَ بيده، وإذا قال: لا أعود- يقبل قولَه وإِنْ عَلِمَ أنه ينقض توبته.
ومن التكريم أنه زَيَّنَ ظاهرَهم بتوفيق المجاهدة، وحَسَّنَ باطنَهم بتحقيق المشاهدة.
ومن التكريم أنه أعطاهم قبل سؤالهم، وغفر لهم قبل استغفارهم، كذا في الأثر: «أعطيكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني».
ومن تكريم جملتهم أنه قال لهم: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] ولم يقل ذلك للملائكة ولا للجن.
وكما خَصّ بني آدم بالتكريم خصَّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم منهم بتكريم مخصوص، فمن ذلك قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] و{رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] وقوله: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].
ومن التكريم قوله:
{ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} [النساء: 110]
ومن التكريم ما ألقى عليهم من محبة الخالق حتى أحبوه.
ومن التكريم لقوم توفيقُ صِدْق القَدَم، ولقوم تحقيقُ علوِّ الهِمَم. قوله: {وَحَمَلْنَاهُمْ في البَّرِ وَالبَحْرِ}: سَّخر البحر لهم حتى ركبوا في السفن، وسَّخر البرَّ لهم حتى قال: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ} [فصلت: 37].
ويقال محمولُ الكرامِ لا يقع، فإنْ وَقَعَ وَجَدَ مَنْ يأخذ بيده.
ويقال الإشارة في حملهم في البرِّ ما أوصل إليهم جهرًا، والإشارة بحديث البحر. ما أفردهم به من لطائف الأحوال سِرَّا.
ويقال لمّا حَمَلَ بنو آدم الأمانة حملناهم في البر، فَحَمْلٌ هو جزاءُ حَمْلٍ، حَمْلٌ هو فِعْلُ مَنْ لم يكن وحَمْلٌ هو فَضْلُ من لم يَزَل.
قوله: {وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِيَاتِ}: الرزق الطيب ما كان على ذكر الرازق؛ فَمَنْ لم يكن غائبًا بقلبه ولا غافلًا عن ربَّه استطاب كُلَّ رزقٍ، وأنشدوا:
يا عاشقي إني سَعِدْتُ شرابًا ** لو كان حتى علقمًا أو صابا

قوله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلْقْنَا تَفْضِيلًا}: أي الذين فضلناهم على خلقِ كثير، وليس يريد أن قومًا بقوا لم يفضلهم عليهم، ولكن المعنى أنا فضلناهم على كلِّ مَنْ خَلَقْنا، وذلك التفضيل في الخِلْقة. ثم فَاضَلَ بين بني آدم في شيء آخر هو الخُلق الحسن، فَجَمَعهم في الخُلقة- التي يفضلون بها سائر المخلوقات- ومَايَزَ بينهم في الخُلق.
ويقال: {كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ}: هذا للفظ للعموم، والمراد منه الخصوص، وهم المؤمنون، وبذلك يفضل قومٌ على الباقين، ففَضَّل أولياءَه على كثير ممن لم يبلغوا استحقاقَ الولاية.
ويقال فضَّلهم بألاَّ ينظروا إلى نفوسهم بعين الاستقرار، وأن ينظروا إلى أعمالهم بعين الاستصغار.
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}.
إمامُ كلِّ أحدٍ مَنْ يَقْتَدِي به، ولكن.. مِنْ إمامٍ يهتدي به مُقْتَدِيه، وما إمام يتردَّى به مقتديه.
{فَمَنْ أُوتَىَ كِتَابَهُ بِيَمِنِهِ فَأَوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ}: لكمالِ صحوهم وقيادة عقلهم، والذين لا يؤتون كتابهم بيمينهم فهم لخوفِهم وتَرَدّدِهم لا يقرأون كتابهم.
{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}.
في الآخرة أعمى عن معاينته ببصيرته. في الآخرة عذابُه الفُرقة وتضاف إليها الحُرْقَة- لهذا فهو {وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

الإشارة: قد كرَّم الله هذا الآدمي، وشرفه على خلقه؛ بخصائص جعلها فيه، منها: أنه جعله نسخة من الوجود، فيه ما في الوجود، وزيادة، قد انطوت فيه العوالم بأسرها، من عرشها إلى فرشها، وإلى هذا المعنى أشار ابن البنا، في مباحثه، حيث قال:
يا سابقًا في مَوْكب الإِبْداع ** ولاحِقًا في جَيْش الاخْتِراع

اعْقِل فَاَنْتَ نُسْخَةُ الوُجُود ** لله ما أعلاَك مِن مَوْجُود

أَلَيْس فِيك العرشُ والكرسِيُّ ** والعالم العُلْويُّ والسُّفْلِيُّ

ما الكونُ إِلا رَجلٌ كبيرُ ** وأنتْ كونٌ مِثْلُه صَغِيرُ

وقال آخر:
إذا كنتَ كُرْسِيًّا وعَرْشًا وَجنَّةً ** وَنارًا وأَفْلاَكًا تدَوُر وأَمْلاَكا